Friday, October 19, 2007

النفاق صناعة مصرية

” كان (كعب الأحبار) يكلم (عمر بن الخطاب)  ـ فقال : يا أمير المؤمنين.. إن الله عندما خلق الدنيا جعل لكل شيء شيئاً .. قال الشقاء: أنا لاحق بالبادية.. فقالت الصحة: وأنا معك.. وقالت الشجاعة: أنا لاحقة بالشام.. فقالت الفتنة وأنا معكِ.. وقال الخصب: أنا لاحق بمصر.. فقال الذل: وأنا معك.. “
” وعندما قيل لـ (عمرو بن العاص) صف لنا الأمصار.. قال: أهل الشام أطوع الناس لمخلوق وأعصاهم للخالق.. وأهل الحجاز أسرع الناس إلى الفتنة وأعجزهم عنها.. وأهل العراق أطلب الناس للعلم وأبعدهم منه.. وأهل مصر أكيسهم صغاراً وأحمقهم كباراً .. “
وهنا تقفز علامة الاستفهام الضخمة.. لماذا راجت بضاعة النفاق في مصر؟ ولماذا أصبح هذا الوباء سلعة حياتية.. ووجبة لا تنفد ؟ وهل كان صديقي اليمني صائباً عندما قال لي: إن النفاق اختراع مصري.. سرقَهُ العرب .. ثم صدروه للدنيا.. وإنه لم يجرؤ حاكم على وجه الأرض أن يدّعي الألوهية إلا في مصر.. حتى قال فيهم رب العزّة فَاسْتَخَفَّ قَوْمَهُ فَأَطَاعُوهُ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمًا فَاسِقِينَ ( ) .. ما أقسى صاحبي.. وما أقسى الحقيقة... وما أكثر المغالطات.. فالنمرود الذي ادَّعَى الألوهية كان يحكم العراق... وما أكثر الملوك والأباطرة والقياصرة الذين ادّعوا ذلك على وجه الأرض الفسيحة وفي جميع الأزمان.. ولم يدّعِ الألوهية في مصر سوى (فرعون) موسى.. الذي ذكر القرآن الكريم قصّته.. و(الحاكم بأمر الله) الذي قتلته شقيقته عندما جاهر بكفره..
أما النفاق فهو نتيجة طبيعية للاستبداد السياسي في كل مكان وزمان.. وعندما دخل الإسلام جزيرة العرب.. بارت تلك البضاعة واندثرت حتى حين.. لتحلّق كل أنواع النفاق وألوانه المختلفة على يد (معاوية بن هند) وقصوره وحاشيته وصولجانه.. ليكون ابن (آكلة الكبد) هو أول الحكام المستبدين في تاريخ الإسلام العظيم.. والنقطة الفاصلة بين الحكم الراشد والاستبداد السياسي الذي وضع بذوره ذلك المعاوية .. ومازلنا نعاني منه حتى هذه اللحظة.. وعندما طالب أحد المستشرقين الظرفاء دول الغرب بوضع (تمثال) لمعاوية بن أبي سفيان في أكبر ميادينهم ، لم يكن هذا الحاقد يمزح وهو يقول: ” لولا معاوية لحكم أصحاب الجبب والعمائم العالم كله “..
فقد كان معاوية بمثابة (دابة الأرض) التـي نخرت منسأة الإسلام ....
ثم يطلق (الوليد بن عبدالملك) صيحته المدوية ” أيها الناس.. عليكم بالطاعة ولزوم الجماعة فإن الشيطان مع الفرد.. أيها الناس من أبدى ذات نفسه ضربنا الذي فيه عيناه.. “ وهو يقصد طاعته هو .. وجماعته هو.. فما أتفه الإنسان في نظر هؤلاء الطغاة..
” والله لا آمر أحداً أن يخرج من باب من أبواب المسجد، فيخرج من
الباب الذي يليه إلا ضربت عنقه! “ ... ما أرخص أعناقنا في كلمات
الحجاج بن يوسف الثقفي.. وهكذا كان جبروت الحكام وظلمهم وقسوتهم في تاريخنا.. حكاية تتناقلها الأجيال وترتعد منها نفوس الضعفاء.. وكما يقول الشاعر الألماني (جوته): ” إنني أحمل فوق أكتافي تراث آبائي وأجدادي“ .. وهكذا نحن .. نُصاب بالرعب عندما نسمع كلمة بوليس.. ونخوّف الأطفال بالعسكري.. أي عسكري!! ولو كان حتى في رقعة الشطرنج.. ونرفع شعارات (ابعد عن الشر وغنّي له) .. (خلينا ماشيين جنب الحيط) .. (إحنا مالنا.. هو إحنا هنغيّر الكون).. فكان من الطبيعي ــ بل من البديهي جداً ــ أن يخرج النفاق
من رَحِمِ الرعب.. فيقول ابن (هانئ الأندلسي) 972م للخليفة الفاطمي
(المعز لدين الله) :
ما شئتَ لا ما شاءت الأقدارُ
وكأنما أنت النبيّ محمدٌ
 فاحكم فأنتَ الواحدُ القهّارُ
وكأنما أنصارك الأنصارُ

أستغفر الله العظيم.. نفاق يرثه الأبناء من الآباء.. فلا فرق بين (ابن هانئ الأندلسي) ومحافظ أسيوط الذي أصبح وزيراً فيما بعد عندما قال لجمال عبدالناصر.. ( إذا كان محمد بَنَى أمة.. وعيسى بَنَى أمّة.. وموسى بَنَى أمة.. فإنك يا جمال بنيت أمماً وشعوباً ) وهكذا وضع الرجلُ جمال عبدالناصر في منزلة أعلى من أنبياء الله مجتمعين..والنفاق في مصر يجري مجرى الدم في العروق.. بالروح بالدم نفديك يا جمال.. ثم يا سادات .. ثم يا مبارك.. بالروح بالدم نفديك يا بيومي..

أي بيومي.. شعارات خالدة تنتقل من جيل لجيل بنفس الحماس! وتتكرر في نفس الجيل لأكثر من حاكم.. فالذين أ لّهوا (جمال) هم الذين
انقلبوا عليه وهاجموه بضراوة أثناء فترة الرئيس السادات.. وهم أيضاً الذين صنعوا الرئيس المؤمن وبطل الحرب والسلام.. ثم بعد ذلك سلبوه كل شيء واختزلوا نصر أكتوبر في الضربة الجوية فقط.. ولو كان الرئيس مبارك قائداً للمدفعية ــ أثناء حرب أكتوبرــ أو الجيش الثالث الميداني .. لسمعنا من المنافقين الأغاني التـي تمجّد أول ضربة مدفع .. أو دبابة .. أو حتى صاروخ..بل إن الإعلام المصري يتناسى دور الرجل العظيم الذي وضع خطة حرب أكتوبر .. المشير/ أحمد إسماعيل .

وتحضرني هنا واقعة مؤلمة حدثت في الإذاعة المصرية منذ عدة سنوات.. وكان الإذاعي الكبير/ عبدالعال هنيدي يتولى قيادة الإذاعة ــ مؤقتاً ــ حتى يصدر القرار الرسمي.. وفي نفس الأسبوع كانت كلمات الإذاعي والشاعر/عمر بطيشة (أول ضربة جوية) تشدو بها إحدى المطربات في احتفال أكتوبر.. فصدر في اليوم التالي (القرار الرسمي) بتولي عمر بطيشة قيادة الإذاعة واستبعاد عبدالعال هنيدي.. الذي لم يحتمل الإهانة وأن يرأسه تلميذه.. فأصيب بجلطة مات على إثرها .. .

ونحن لا نهوّن من دور سلاح الطيران المرعب ــ مفتاح النصر ــ في حرب أكتوبر .. لكن ما فعله (حسن أبو سعدة) بدباباته لا يقل عن دور الطيران ..
بل يزيد.. فقد كانت ملحمة أكتوبر هي أكبر حرب للدبابات في التاريخ..

وعندنا في مصر ينافق الموظف المدير.. والمدرس الناظر.. واللاعب المدرب.. وهكذا.. درجات وطوابق.. وكما يقول أبو حيان التوحيدي : (ما تعاظم أحدٌ على من دونَه إلا بقدر ما تصاغر لمن فوقه ).. ومن النادر ــ مثلاً ــ أن تجد منافقاً في سويسرا أو بلجيكا أو لندن أو أي بلد ديمقراطي في العالم .. فالنفاق وليد الاستبداد.. خرج من رَحِم الظلم والقهر ليرتع فوق الخريطة العربية.. ودول العالم الهابط والمتخلف..

ويُروى أن حاكم إحدى البلاد المقهورة كان ذاهباً للصيد فأخذ معه رجل الدين الأول في بلده ليبارك رحلة الصيد والذبح على الشريعة الإسلامية.. وعندما أطلق الحاكم ــ الذي لم يكن يجيد الصيد ــ أول طلقة من بندقيته تجاه اليمامة فأخطأتها .. صاح الشيخ: معجزة.. معجزة.. تطير وهي ميتة!!

2 comments:

Unknown said...

تحضرني قصيدة للدكتور عباس عجلان رحمه الله و كانت بعنوان ( ومن الأقنعة )

Unknown said...

و أنا اختلف معك تماما فى هجمك على معاوية بن ابى سفيان