Friday, October 19, 2007

السادات..أوراق ذلك اللغز

الورقة الأولى :
في يوم الجمعة 10 إبريل 1953 أحسّ المصلون بمسجد (الحنفي) بالقاهرة ــ والمكتظ بآلاف المصلين ــ بشيء جديد على غير ما ألفوا أو تعودوا .. فشخصت أبصارهم على المنبر ، وتركزت على هذا (الخطيب) الذي صعد المنبر في إطراقة وخشوع واستقر على أعلى المنبر بزيه الرسمي.. وترك (الرجل) المصلين برهة يملئون أعينهم منه وهم في دهشة.. وأذّن المؤذن بين يدي الإمام الخطيب.. ولم تنته دهشة الحاضرين .. حتى سأل أحد المصلين الجالسين بجوار المنبر جاره في الصف: مين ده ؟ ... فرد الرجل بحماسة وصوت مسموع: (دا أنور السادات اللي قتل أمين عثمان ومن الضباط الأحرار) .. وهنا قال السادات: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إذا قلت لصاحبك والإمام يخطب – يوم الجمعة – أنصت ، فقد لغوت ).

الورقة الثانية:
في 26 مايو 1942 .. بدأ الهجوم الألماني على الجيش البريطاني الثامن جنوبي طبرق ، وبعد معارك ضارية سقطت (طبرق) في 21 يونيه وأسر الألمان نحو 30 ألف مقاتل إنجليزي.. واستمر زحف الألمان حتى احتلوا (مطروح) وأمام هذا الموقف الصعب للقيادة البريطانية طلبت بصفة عاجلة من الملك فاروق أن يتخلص فوراً من بعض الضباط المصريين المعروفين بعدائهم الشديد للإنجليز حتى لا يكونوا شوكة في ظهر القيادة البريطانية إذا اضطرتها ظروف القتال إلى الانسحاب حتى القاهرة.. وكان السادات على رأس مجموعة الضباط الذين تم إبعادهم عن الجيش في 8 أكتوبر 1942.. ومنذ ذلك التاريخ حتى 1950 يوم عاد إلى الجيش المصري مرة أخرى ــ استطاع أنور السادات خلال هذه المدة أن يجمع حصيلة طيبة من المعلومات عن المنشآت العسكرية الإنجليزية في مدن القناة حين كان يتردد عليها كسائق نقل أو (عتّال) فوق عربة.. استطاع الرجل وبدقة عالية أن يرسم عدة خرائط للمعسكرات الإنجليزية ولمداخلها ومخارجها ومواقع تجمعات الجنود الإنجليز.. والطريق إليها.. وكانت هذه المعلومات سنداً هاماً في نجاح العمل الفدائي المسلح الذي أشرف عليه وساهم فيه بعد عودته ضابطاً بالجيش المصري مع بداية عام 1950م.

الورقة الثالثة :
عندما توفي جمال عبدالناصر في سبتمبر 1970.. انتقلت القيادة في مصر من شاطئ إلى شاطئ ولكن مراكز القوى وبعض رجال الجيش ظنوا (الرجل) ضعيفاً يسهل تسييسه.. حتى كان زلزال 15 مايو 1971 عندما كشّر الرجل عن أنيابه وأطاح بكل الغرماء وكانت تلك بداية تحرير الإنسان المصري من عبودية الطغيان .. لتذوب الأحقاد .. ويذوب الخوف.. حتى حين !!
ص الورقة الرابعة :
قام السادات بتطهير الجيش المصري من الضباط والقادة الذين عشقوا الهزيمة وطرد خبراء الروس الملاحدة وعمل على (أسلمة) مصر ..
وزيادة الاهتمام بالشئون المعنوية للقوات المسلحة حتى أصبح قادة الجيش هم الأئمة والخطباء للجنود مما أدى إلى تلاشي الفكر الشيوعي الذي كان مسيطراً حتى على صناعة القرار.. وكانت كلمة (الله أكبر) التي أشار بها السادات هي مفتاح النصر الذي اختار له شهر رمضان وكان هذا هو السبب الرئيسي لغضبة مثلث الرعب المصري (شيوعيون/ علمانيون/ ناصريون) فهذا المثلث تصيبه التشنجات والهيستريا حين يُذكر اسم الدين.

الورقة الخامسة :
سيتوقف التاريخ طويلاً أمام ما حدث في اليوم السادس من أكتوبر.. العاشر من رمضان.. فقد وقعت الواقعة ولم تكن لوقعتها كاذبة.. بل كانت خافضة رافعة.. ورجت الأرض رجاً .. فتغير مجرى التاريخ ، وتكسّر حاجز الخوف.. بعد أن تحطمت لإسرائيل خلال الحرب ألف دبابة وثلاثمائة طائرة.. وبلغ قتلاها ما يزيد على عشرة آلاف من الضباط والجنود.. وبلغ جرحاها ما يزيد عن عشرين ألفاً.. وهذه الأرقام مسجلة دولياً ويتم تدريسها مع خطة اقتحام خط بارليف في المؤسسات العسكرية العالمية... وهي ليست مثل أرقام هيكل في الأهرام أو أحمد سعيد في إذاعة صوت العرب أثناء هزيمة 1967.. فقد كان السادات ~ عسكرياً من الطراز النادر.. ولم يكن الفريق (عزيز المصري) مبالغاً حين شبهه بنابليون بونابرت.. فأثناء حرب الخليج (حرب تدمير العراق وتحرير الكويت) قال قائد القوات الأمريكية: إن البنتاجون حريص على أرواح الطيارين الأمريكيين وعلى طائرات الأباتشي ومن ثَمّ فإن رأى أن هناك ضرورة
لدور الأباتشي ففي هذه الحالة ستقوم بدورها دون أن تخرج من المجال
الجوي الألباني ــ أي تشارك في العمليات من مسافة آمنة ــ وقتها.. ووقتها فقط .. تذكر الجميع ما فعله السادات في 1973 عندما قرر ألا تتجاوز قواته العابرة لقناة السويس خطاً معيناً يضمن أن تكون تحم حماية حائط الصواريخ على الضفة الغربية فلا يُدفع بها إلى مصيدة في العراء لتتكرر مأساة 1967.. رحم الله رجلاً رأى بإمكاناته القتالية المحدودة وغير القابلة للمقارنة مع عدوه ومَن يدعمه منذ أكثر من ربع قرن ما يراه اليوم الخبراء العسكريون لأكبر قوة في العالم وبأحدث تكنولوجيا العصر.. وفي مواجهة دولة من العالم الثالث!!
إن حرب أكتوبر هي التي جعلت وزير خارجية أمريكا اليهودي (هنري كيسنجر) يتكلم بالعربية في مؤتمر جنيف في ديسمبر 1973 ويقول (اللي فات مات) وهي التي أنطقت فارس إسرائيل (أبا إيبان) بآيات من القرآن الكريم ، وجعلته يتباكى ويستعطف ويقول إن اليهود والعرب إخوة وأبناء سيدنا إبراهيم عليه السلام .. وحرب أكتوبر هي التي جعلت أسطورة إسرائيل (جولدا مائير) رئيسة الوزراء تجلس في بيتها لكتابة مذكراتها وتقول عبارتها الخالدة (لو بقي المسلمون على أخلاق أسلافهم ما وُجدت دولة إسرائيل).. وبعد ذلك يخرج علينا عشاق الهزيمة وعبدة الصنم البشري والصفقاء ويقولون إنها تمثيلية
مُتفق عليها! .. يضحي السادات بأخيه عاطف ودماء المصريين.. ويوافق الإسرائيليون على قتل الآلاف منهم من أجل تمثيلية !! ما هذا التهريج ؟ّ ..
لأن السادات نجح فيما فشل فيه الزعيم المهزوم الذي قال له (زخاروف)
رئيس أركان الحرب السوفيتي بعد فضيحة 1967: ( لو أن كل سلاح
في القوات المسلحة المصرية أطلق طلقة واحدة لانتهت إسرائيل) ..
ولو رجعنا إلى تقرير الأمم المتحدة في تلك السنة (1967) عن التسليح في
العالم لوجدنا هذا التقرير يقول: (إن أعلى نسبة تسليح في العالم توجد
في الجيش الأمريكي ويليه مباشرة الجيش المصري)) .. إنه الفرق بين
رجل ورجل !!
ص الورقة السادسة :
( يا سيادة الرئيس لقد رأيتك في المنام تصلي في المسجد الأقصى بالقدس ونحن جميعاً حولك) .. ضحك السادات طويلاً عندما سمع كلمات (حسن التهامي) تلك .. وكانت أول قطرة ماء غير محسوبة وغير جادة في موج الأحداث التي أدت إلى رحلة الرئيس إلى القدس.. ولكن السادات قال إن الفكرة خطرت له وهو في الطائرة عائداً من (بوخارست) بعد لقاء شاوشيسكو الذي كان قد سبق له اللقاء مع مناحم بيجن.. وسواء كانت الفكرة للسادات أو للتهامي.. فالأمر أكبر من مجرد فكرة.. فها هو (هيكل) بعد كل هذه السنوات يعتذر للسادات ويعترف ويقرّ أن أنور السادات كان على صواب.. ولولا معاهدة السلام ما عادت سيناء إلا على يد المهدي المنتظر!! .. وكان مناحم بيجن على حق عندما فقد عقله قبل وفاته وظل (يخترف) 3 سنوات قبل موته ويقول إن السادات ضحك عليه بمجموعة أوراق وأخذ سيناء.. ومازال ياسر عرفات ورفاقه يلهثون خلف فتات الموائد بعد أن رفضوا المائدة التي قدمها لهم السادات وما عليها .. لأنهم لم يدركوا أنه في عالم السياسة لا تأتي الفرصة الحقيقية إلا مرة واحدة فقط..

الورقة السابعة :
جاء السادات في ظروف اقتصادية خانقة استدعت أن يقوم بتدعيم الانفتاح .. وللتاريخ.. إن الانفتاح بدأ في أواخر عهد جمال عبدالناصر على يد الدكتور/ عبدالعزيز حجازي – وزير الاقتصاد في أواخر عهد عبدالناصر .. ورئيس الوزراء في عهد السادات.. والذي خرجت له الجماهير بعد الحرب تستغيث (حجازي بيه يا حجازي بيه .. كيلو اللحمة بقت بجنيه) .. إن الدكتور حجازي مازال حياً بيننا يشهد للتاريخ أن الانفتاح بدأ في أواخر عهد عبدالناصر... وقد قابلت الدكتور/ عبدالعزيز حجازي في الجامعة الأمريكية في مارس 1999 قبل المحاضرة التي أكد فيها ما سبق .. ولكن لأن السادات رحل وخانه التلاميذ والأصدقاء .. أصبح دمه مباحاً للجميع.. والانفتاح ليس جريمة بدليل الطفرة الاقتصادية الهائلة للعديد من الدول التي نجحت في تطبيقه.. فالمشكلة في مصر كانت سوء التطبيق.. وكثرة اللصوص والأفاقين.. فهل كان الرئيس السادات (مغسّل وضامن جنّة )؟!!

الورقة الثامنة :
يُطلق على النظام الاقتصادي للمواطنين الإسرائيليين (بلاطا ــ بنك) Palata Bank ويعني أن اليهودي شديد الحرص على أمواله والخوف عليها وهو خوف نابع من انعكاسات نفسية للخوف الذي يسيطر أساساً على حياته داخل منطقة ليس مرغوباً فيه العيش بها وهذا يجعله دائماً يتحسس الخطى بأن تكون أمواله جاهزة ليلتقطها ويرحل عند أول أزمة أو خطر يهدده.. لذلك هو يفضل وضع أمواله (تحت البلاطة) .. ولانتشار الفكرة انتشرت معلومة (بلاطا بنك) بنكي هو بلاطتي.. ويفضل عدد كبير من اليهود الاستثمار بهذه الطريقة بالرغم من عدم تزايد أموالهم..
وقد التقط السادات عبر المخابرات المصرية هذه الظاهرة ليستحدث منها نظرية لا ينقصها الذكاء وهي أن المواطن الإسرائيلي (المدمن جمع الأموال بحكم يهوديته) لو شعر بالأمان لخرج بأمواله من (بلاطا بنك) وبحسبة بسيطة (حسب اعتقاد السادات) بخروج هؤلاء بأموالهم مهما بلغ عددهم لن يتجاوز الخمسة ملايين وسيسعون لتحقيق أرباحاً مالية وسط أكثر من مائة مليون عربي فيذوب المجتمع اليهودي بين المائة مليون عربي..! وبهذه النظرية يمكن القضاء على إسرائيل بالذوبان وتفتيت تجمعاتهم وبعثرتها في شتى أركان الأمة العربية.

الورقة التاسعة :
في 3 سبتمبر 1981 تلبدت سماء القاهرة بغيوم الغضب فأقدم السادات على غلطته الكبيرة وهي اعتقاله 1536 معارضاً في يوم واحد بإلحاح من وزير داخليته الفاشل (النبوي إسماعيل).. وكان الرئيس السادات قد ضاق صدره من الذين هاجموه هجوماً عنيفاً هو وأسرته وصل إلى حد رفع قضية جُنحة مباشرة ضده.. وهو بشر ، ويعلم أن كل هؤلاء لم يكن يجرؤ واحد فيهم أن يرفع رأسه أو يفتح فمه طوال أيام حكم عبدالناصر.. عاشوا مذعورين ، فلما جاءت الحرية انطلقوا ينهشون لحمه.. وفرق كبير بين معتقلات التعذيب الناصرية وبين ما ذكره د. ميلاد حنا في كتابه (ساسة ورهبان وراء القضبان) أنه أكل مع (هيكل) في معتقل السادات أشهى الأطعمة وأنه لم يأكل السمان بالفستق في حياته إلا في معتقلات السادات.. ولذا أطلقوا عليها معتقلات 5 نجوم.

الورقة العاشـرة :
أعاد السادات اسم (مصر) الذي ذُكر مراراً في القرآن الكريم.. مصر أم الحضارات كان اسمها (الإقليم الجنوبي للجمهورية العربية المتحدة) .. ثم بعد ذلك إبعاده (لهيكل) هامان العصر.. وتحرير صحافتنا منه.. بالإضافة إلى استعانته بأحدث صيحات العلم والتكنولوجيا.. فلم يقل لنا كما قال سلفه في 1956 (أنا طلعت فوق سطح بيتي وسمعت أزيز الطائرات المغيرة فعرفت أنها إنجليزية) .. ترك القيادة والرادار والتكنولوجيا وأدار الحرب من فوق السطوح!! وبعد ذلك تسألون عن أسباب النكسة؟! ألم يقل هذا المهزوم في 1967 (كنا فاكرين هييجوا من الشرق.. جاءوا من الغرب) .. إسرائيل طبعاً قليلة أدب لأنها جاءت من الغرب.. أو (أنا لسه ما كملتش خمسين سنة وباقي في المنطقة) .. ألم يقل عن رجال الدين (الواحد منهم يفتي بوزّة) .. أما السادات فعيبه أنه لم يحكم بالكرباج ولا أدمن الهزائم وخراب البيوت.. فالمصري مثل القط يحبّ خنّاقه.. ولذا فقد سرقوا منه فكرة (مترو الأنفاق) التي بدأت في عهده.. وسلبوا منه نصر أكتوبر واختزلوه في الضربة الجوية.. ولم توافق الدولة على تأسيس حزب باسمه.
ولأن الكلمة في النهاية دائماً للتاريخ.. فقد مضى (الرجل) إلى ربه.. وخرج علينا الصبية وصغار العقول يقذفون تاريخ الرجل.. ولكننا نعذرهم لأنهم لم يصلوا إلى مرحلة النضج العقلي بعد..
فأنور السادات رجل سبق عقله زمنه .. ولذا فلن يفهمه .. ويعرف قيمته.. ويدرك عبقريته .. إلا مَن كان له عقل يعي.



No comments: