Friday, October 19, 2007

الصناجة

كان صديقي المؤرخ العظيم (عبدالرحمن الجبرتي) متكئاً على سيارته (الكاديلاك) يداعب تليفونه المحمول عندما قفزتُ من فوق ناقتي لأسأله عن رأيه في (محمد حسنين هيكل).. صنّاجة العصر.. والمغرب والعشاء كمان.. فأغلق (الجبرتي) الموبايل وخلع نظارته (الريبان) ونظر إليّ من أعلى إلى أسفل ثم أطلق ساقيه للريح لتتبعه ناقتي وخلفها كل كلاب القبائل وهي تنبح.. وعندما مددت يدي لأرفع نظارة الرجل التـي قذف بها أثناء فراره كان صوت (جرس المنبه) يحول بيني وبين تكملة هذا المشهد المنامي لأعود إلى سيناريو الحياة الممل.. وأمامي علامة الاستفهام الكبيرة.. ماذا يريد هيكل؟ أما آن له أن يخلع هذا الجلباب الزائف بعد أن بلغ من العمر عتياً ؟ إن اعتذاره للسادات أمام جموع الحاضرين في نادي الصيد بالإسكندرية الأسبوع الماضي لا يكفي.. وما الذي يعود علينا بقوله: إنني سعيد اليوم وبأثر رجعي بما فعله السادات في (كامب ديفيد) عام 1978 لأنه أنهى ارتهان أرض مصرية كانت سوف تظل كذلك..
إن اعتذارك يا أستاذ هيكل يجب أن يكون للأمة العربية بأثرها بعد أن صنعت تمثالاً كي يعبده الناس الذين وَرَمت فيهم غدد (الفشْر) واللامعقول وحرقت مساحات شاسعة من تاريخ هذا الوطن لأنها ضد الأيدلوجية الهيكلية.. بعد أن جعلت من هزيمة 1967 نصراً سياسياً للزعيم المتنحي.. ومن الأهرام التـي كنت تقودها (بعكوكة) بيانات عسكرية أضحكت علينا العالم وهو يقرأ عن الجيش المصري المتقدم نحو (تل أبيب) وآلاف الطائرات التـي أسقطناها والدبابات التـي مضغناها في الوقت الذي كانت فيه دماء عشرات الآلاف من جنودنا في رمال سيناء تشكو إلى الله كل الذين تسببوا في هذه المأساة التـي لم يحدث مثلها في تاريخ الإنسانية ، فهل أنهار الدماء المصرية التـي سالت والأرض التـي اغتُصبت أهون وأرخص من إيذاء مشاعر الزعيم المهزوم ؟ وهل كانت حرب أكتوبر الخالدة لأنور السادات – صاحب النصر الوحيد للعرب من بعد حروب (محمد علي) في القرن الماضي – هل كانت مجرد تمثيلية متفق عليها كما تزعم ؟! ألهذا يا سيدي الكاتب الكبير وأنت الذي تعطس في لندن فيُشَمّتك (الكيبوتز الناصري) في مصر المحروسة بعد أن داس على التاريخ والجغرافيا فسقطت منه ورقة التوت وأصبحنا لا نعرف أين الثور ؟ ومَن المصارِع ؟

No comments: