كثرت في السنوات الأخيرة الدعوة إلى الانفلات من قيود الوزن والقافية – كما يسميها البعض – ولم تكن هذه الدعوة وليدة اليوم .. فهي تعود إلى العصور العباسية الذهبية عندما حاول بعض الشعراء التبرم من القوانين التـي تحكم الشعر.. حتى إننا نجد عالم العربية الجهبذ .. الواعي لدقائقها في النحو والصّرف والبلاغة وما إليها .. والشاعر المتمكن من أدواته.. نراهم إذا عُرض أمر يتعلق بالعَروض .. يدخل الواحد منهم في حديث آخر أو يستعرض عضلاته الثقافية في قضية أخرى حتى لا يظهر جهله بهذا العلم الذي يعتبر أصعب علوم العربية على الإطلاق .. علم العَروض..
لكن هل الدراية بهذا العلم تصنع شاعراً ؟! أجاب (الخليل بن أحمد الفراهيدي) بنفسه إجابة عملية على هذا السؤال.. فقد فشل في أن يكتب الشعر وهو الذي أسس علم العروض ووضع الأُطُر والقوانين المنظمة للشعر العربي.. أما الشعر الجديد والذي أطل علينا في الأربعينيات بعد أن خاض معارك ضارية لم يعد منطقة صراع ساخنة بين أتباعه وأنصار القديم.. فلقد استوت الأرض تحت قدميه واستقام عوده.. ودانت له الصفحات في جبهات شاسعة من الوطن العربي.. وأدى تحرر الشعر من صرامة قيود القديم إلى فتح الأبواب على مصاريعها لكل من هبّ ودب، متطفلاً على موائد الشعر.. وهذا ما حدث بالفعل.. فنحن نفاجأ كل يوم بزحف من الجراد التي أُلصقت بها صفة الشاعر!! تقرأ لهم فتصطدم بالحقيقة المذهلة.. كيف يكون هناك (شاعر) على غير معرفة بجماليات اللغة ، ودون علم العَروض ؟! وتلك هي المصيبة التي أَلَـمَّتْ بحركة الشعر في السنوات الأخيرة وهي ليست مصيبة هؤلاء المتطفلين (الحداثة وما بعد الحداثة) أنفسهم.. المصيبة الأدهى في أنهم يجدون لهذا الغثّ مَن يحتفي به ويخدع القرّاء .. فقد جاء هذا الجراد من المجهول يتمردون على الدين وثوابت المجتمع وأصبحنا نسمع عن قصائد الشذوذ والجنس والبراز !!! وقصيدة الطلاسم والحجاب..
ورأينا الناقد المفتون بذلك يقول:
- (إنه التمادي في التمادي.. والغموض المركب في الغموض بالغموض).
- (الشاعر الحداثي يُحاول أن يحقق صورة عن العالم مكتنزة الدلالة وممتلئة بمعانٍ لا تستنفذها الأزمان.. وهو حين يدخل عتامة الغموض والتركيب فإنما يفعل ذلك وعياً بضرورة أن تكون قصيدته علامة تدل على العالم وتفعل فيه).
- (قصيدتك خلعتني من جو الصحو المكشوف إلى جو الغموض الخلاق)..... يجيبوك من على الحيط بشبشب!!
ونترك مستشفى الأمراض العقلية ونعود إلى عالم الشعر.. فالشعراء الآن ينقسمون إلى :
1) الشعر العمودي: في المعلقات والمتنبي وبشار بن برد وغيرهم إلى شوقي وحافظ ومحمود حسن إسماعيل ومطران والبيروني..
2) شعر التفعيلة: نازك الملائكة والسياب والبيّاتي وأمل دنقل وصلاح عبدالصبور وعبدالمنعم عواد يوسف...
أما شعراء الحداثة والحُرّ فقد مزجوا بين التفعيلة القديمة والحديثة، مثل: محمد عفيفي مطر... وأحمد مخيمر.. ونزار قباني ، وغيرهم.
ص شعراء تمردوا على التفعيلة :
فهم مجموعة من الجراد هجمت على ربيع الإبداع العربي لا صلة لهم بالشعر أو النثر.. وهم أكثر من الهمّ على القلب..
لكن الحقيقة أن هجوم بعض شعراء القصيدة العمودية على الشعر الجديد كان خوفاً من فضح مستواهم الحقيقي ، وقد حدث هذا مع بعض التراثيين عندما حاولوا كتابة الشعر الجديد .. مثل: د. أحمد هيكل .. وفاروق شوشة.. وغيرهم. فوجدنا مستويات هزيلة.. مثل : (يقوم الدم العربي).. وأعمال د.هيكل الأخيرة... وعبدة الصنم الخليلي كانوا وراء تدهور الشعر.. فلم يطوروا أنفسهم وحاربوا الآخرين وهم في أولى مراحل التطور.. فأصبحت قصائدهم مُتْحَفِيَّة لا تناسب إيقاع العصر .. فماذا لو طوروا أنفسهم وحافظوا على ثوابت الشعر ؟! .. لكن يبقى أهم ما في الموضوع .. إذا كان الشاعر يعزف شعره على بحر معين – أي على نوتة البحر .. لماذا لا يكون الشاعر هو موسيقار القصيدة؟ والسؤال للشاعر/ جميل عبدالغني .. لماذا لا يكون هو الموسيقار والموزع؟ وكانت الإجابة هي أن تكون تفعيلات البحور الخليلية الثمانية والتي يتكون منها الستة عشر بحراً (فعولن/ فاعلن/ متفاعلن/ مفاعيلن/ مفاعلتن/ مفعولات/ مستفعلن/ فاعلاتن) فلنعتبر أن هذه التفعيلات (سلم موسيقي) لموسيقى الشعر وعلى الشاعر أن يؤلف منها ما يشاء ألحان قصيدته دون الالتزام بالعزف على بحر معين.. وليس في هذا جديد.. فهذه التفعيلات هي التي تخلق موسيقى الشعر.. والشاعر هنا يقوم بدور العازف على نوتة البحر الذي اختاره.. لكن حينما يطلق لنفسه العنان ويأخذ من التفعيلات السابقة ما يشاء ويترك ما يشاء.. هنا يكون قد تغير دوره من دور العازف لموسيقى القصيدة إلى موسيقار القصيدة التي يؤلف ألحانها ويوزعها كما يشاء.. فبحور الشعر ليست حكماً بالحَجْر على الاجتهاد والتجديد..
ص الشعر والقصيــدة:
يقول الدكتور/ مدحت الجيار.. إن أي عمل أدبي جمالي يمكننا أن نطلق عليه (شعراً) سواء كان نثراً أو تفعيلة أو غيره.. أما (القصيدة) فهي تلك الملحمة الإبداعية المنضبطة والملتزمة بالإيقاع والعروض والأساسيات التي ورثناها من التراث..
ص التجديد ضــرورة:
وضعت الشاعرة (نازك الملائكة) في كتابها (قضايا الشعر المعاصر) 22 بحراً جديداً .. ووضع الدكتور/ أحمد مستجير في كتاب (الأدلة الرقمية لبحور الشعر العربي) 26 بحراً شعرياً جديداً... والسؤال الذي أطرحه لعبدة الخليل والصنم الشعري القديم: هل توقفت عقليتنا الشعرية عند هذا الحد من الإبداع ولن نستطيع أن نتجاوزه إلى حيث التغني بأنماط موسيقية جديدة لم يسبق أن جمعها ووعاها ما سلف من شعرنا العربي.. وبالمعايير ذاتها التي أَلِفَتْهَا الأذن العربية.. مثلاً : (متفاعلن مفاعلتن فعولن/ متفاعلن مفاعلتن فعولن) والذي ابتكره الشاعر الشاب/ خالد البيلي في (يا قدسُ أنتِ للعرب – ولأنتِ غايةُ الطلب) وأطلق عليه بحر القدس.. ثم (فاعلن / مفاعيلن / فعولن) ( لاإله إلا الله ربي – خالقي أناجيه بقلبي) وأطلق عليه بحر التوحيد..
وإذا عدنا للوراء قليلاً سنجد التفعيلة الفارسية في كثير من شعر أحمد رامي.. وفي التراث (حكمَ فعدلَ فأمنَ فنام) فاعل/ فاعل/ فاعل/ فاعل... أو (قطتي نميرة – اسمها سميرة) فاعلنٌ فعولن.... بالإضافة إلى الموشحات الأندلسية (لحظك وسنان ــ قدك فينان ــ حسنك فتّان ــ يا غصن البان ــ أرحم ولهان ــ هجرك أشجان ــ حبك سلطان ــ يا غصن البان) وكلها تفعيلات ليست موجودة في بحور الخليل والأخفش.
وأنا عندما أقسو على شعراء العمودي والتفعيلة لأنهم حائط الصد وحماة القريض حتى لو اختلفنا مع بعض آرائهم .. أما جراد الحداثة والإباحية فليس له إلا المبيدات الحشرية.. فبحور الخليل ليست عقائد أو ثوابت مقدسة.. وعلينا أن نطورها قبل أن يتجاوزنا الزمن وندخل في متاهة اللا عودة..
وكما يقول شيخ الإسلام العز بن عبدالسلام :تسقط الوسائل بسقوط المقاصد
لكن هل الدراية بهذا العلم تصنع شاعراً ؟! أجاب (الخليل بن أحمد الفراهيدي) بنفسه إجابة عملية على هذا السؤال.. فقد فشل في أن يكتب الشعر وهو الذي أسس علم العروض ووضع الأُطُر والقوانين المنظمة للشعر العربي.. أما الشعر الجديد والذي أطل علينا في الأربعينيات بعد أن خاض معارك ضارية لم يعد منطقة صراع ساخنة بين أتباعه وأنصار القديم.. فلقد استوت الأرض تحت قدميه واستقام عوده.. ودانت له الصفحات في جبهات شاسعة من الوطن العربي.. وأدى تحرر الشعر من صرامة قيود القديم إلى فتح الأبواب على مصاريعها لكل من هبّ ودب، متطفلاً على موائد الشعر.. وهذا ما حدث بالفعل.. فنحن نفاجأ كل يوم بزحف من الجراد التي أُلصقت بها صفة الشاعر!! تقرأ لهم فتصطدم بالحقيقة المذهلة.. كيف يكون هناك (شاعر) على غير معرفة بجماليات اللغة ، ودون علم العَروض ؟! وتلك هي المصيبة التي أَلَـمَّتْ بحركة الشعر في السنوات الأخيرة وهي ليست مصيبة هؤلاء المتطفلين (الحداثة وما بعد الحداثة) أنفسهم.. المصيبة الأدهى في أنهم يجدون لهذا الغثّ مَن يحتفي به ويخدع القرّاء .. فقد جاء هذا الجراد من المجهول يتمردون على الدين وثوابت المجتمع وأصبحنا نسمع عن قصائد الشذوذ والجنس والبراز !!! وقصيدة الطلاسم والحجاب..
ورأينا الناقد المفتون بذلك يقول:
- (إنه التمادي في التمادي.. والغموض المركب في الغموض بالغموض).
- (الشاعر الحداثي يُحاول أن يحقق صورة عن العالم مكتنزة الدلالة وممتلئة بمعانٍ لا تستنفذها الأزمان.. وهو حين يدخل عتامة الغموض والتركيب فإنما يفعل ذلك وعياً بضرورة أن تكون قصيدته علامة تدل على العالم وتفعل فيه).
- (قصيدتك خلعتني من جو الصحو المكشوف إلى جو الغموض الخلاق)..... يجيبوك من على الحيط بشبشب!!
ونترك مستشفى الأمراض العقلية ونعود إلى عالم الشعر.. فالشعراء الآن ينقسمون إلى :
1) الشعر العمودي: في المعلقات والمتنبي وبشار بن برد وغيرهم إلى شوقي وحافظ ومحمود حسن إسماعيل ومطران والبيروني..
2) شعر التفعيلة: نازك الملائكة والسياب والبيّاتي وأمل دنقل وصلاح عبدالصبور وعبدالمنعم عواد يوسف...
أما شعراء الحداثة والحُرّ فقد مزجوا بين التفعيلة القديمة والحديثة، مثل: محمد عفيفي مطر... وأحمد مخيمر.. ونزار قباني ، وغيرهم.
ص شعراء تمردوا على التفعيلة :
فهم مجموعة من الجراد هجمت على ربيع الإبداع العربي لا صلة لهم بالشعر أو النثر.. وهم أكثر من الهمّ على القلب..
لكن الحقيقة أن هجوم بعض شعراء القصيدة العمودية على الشعر الجديد كان خوفاً من فضح مستواهم الحقيقي ، وقد حدث هذا مع بعض التراثيين عندما حاولوا كتابة الشعر الجديد .. مثل: د. أحمد هيكل .. وفاروق شوشة.. وغيرهم. فوجدنا مستويات هزيلة.. مثل : (يقوم الدم العربي).. وأعمال د.هيكل الأخيرة... وعبدة الصنم الخليلي كانوا وراء تدهور الشعر.. فلم يطوروا أنفسهم وحاربوا الآخرين وهم في أولى مراحل التطور.. فأصبحت قصائدهم مُتْحَفِيَّة لا تناسب إيقاع العصر .. فماذا لو طوروا أنفسهم وحافظوا على ثوابت الشعر ؟! .. لكن يبقى أهم ما في الموضوع .. إذا كان الشاعر يعزف شعره على بحر معين – أي على نوتة البحر .. لماذا لا يكون الشاعر هو موسيقار القصيدة؟ والسؤال للشاعر/ جميل عبدالغني .. لماذا لا يكون هو الموسيقار والموزع؟ وكانت الإجابة هي أن تكون تفعيلات البحور الخليلية الثمانية والتي يتكون منها الستة عشر بحراً (فعولن/ فاعلن/ متفاعلن/ مفاعيلن/ مفاعلتن/ مفعولات/ مستفعلن/ فاعلاتن) فلنعتبر أن هذه التفعيلات (سلم موسيقي) لموسيقى الشعر وعلى الشاعر أن يؤلف منها ما يشاء ألحان قصيدته دون الالتزام بالعزف على بحر معين.. وليس في هذا جديد.. فهذه التفعيلات هي التي تخلق موسيقى الشعر.. والشاعر هنا يقوم بدور العازف على نوتة البحر الذي اختاره.. لكن حينما يطلق لنفسه العنان ويأخذ من التفعيلات السابقة ما يشاء ويترك ما يشاء.. هنا يكون قد تغير دوره من دور العازف لموسيقى القصيدة إلى موسيقار القصيدة التي يؤلف ألحانها ويوزعها كما يشاء.. فبحور الشعر ليست حكماً بالحَجْر على الاجتهاد والتجديد..
ص الشعر والقصيــدة:
يقول الدكتور/ مدحت الجيار.. إن أي عمل أدبي جمالي يمكننا أن نطلق عليه (شعراً) سواء كان نثراً أو تفعيلة أو غيره.. أما (القصيدة) فهي تلك الملحمة الإبداعية المنضبطة والملتزمة بالإيقاع والعروض والأساسيات التي ورثناها من التراث..
ص التجديد ضــرورة:
وضعت الشاعرة (نازك الملائكة) في كتابها (قضايا الشعر المعاصر) 22 بحراً جديداً .. ووضع الدكتور/ أحمد مستجير في كتاب (الأدلة الرقمية لبحور الشعر العربي) 26 بحراً شعرياً جديداً... والسؤال الذي أطرحه لعبدة الخليل والصنم الشعري القديم: هل توقفت عقليتنا الشعرية عند هذا الحد من الإبداع ولن نستطيع أن نتجاوزه إلى حيث التغني بأنماط موسيقية جديدة لم يسبق أن جمعها ووعاها ما سلف من شعرنا العربي.. وبالمعايير ذاتها التي أَلِفَتْهَا الأذن العربية.. مثلاً : (متفاعلن مفاعلتن فعولن/ متفاعلن مفاعلتن فعولن) والذي ابتكره الشاعر الشاب/ خالد البيلي في (يا قدسُ أنتِ للعرب – ولأنتِ غايةُ الطلب) وأطلق عليه بحر القدس.. ثم (فاعلن / مفاعيلن / فعولن) ( لاإله إلا الله ربي – خالقي أناجيه بقلبي) وأطلق عليه بحر التوحيد..
وإذا عدنا للوراء قليلاً سنجد التفعيلة الفارسية في كثير من شعر أحمد رامي.. وفي التراث (حكمَ فعدلَ فأمنَ فنام) فاعل/ فاعل/ فاعل/ فاعل... أو (قطتي نميرة – اسمها سميرة) فاعلنٌ فعولن.... بالإضافة إلى الموشحات الأندلسية (لحظك وسنان ــ قدك فينان ــ حسنك فتّان ــ يا غصن البان ــ أرحم ولهان ــ هجرك أشجان ــ حبك سلطان ــ يا غصن البان) وكلها تفعيلات ليست موجودة في بحور الخليل والأخفش.
وأنا عندما أقسو على شعراء العمودي والتفعيلة لأنهم حائط الصد وحماة القريض حتى لو اختلفنا مع بعض آرائهم .. أما جراد الحداثة والإباحية فليس له إلا المبيدات الحشرية.. فبحور الخليل ليست عقائد أو ثوابت مقدسة.. وعلينا أن نطورها قبل أن يتجاوزنا الزمن وندخل في متاهة اللا عودة..
وكما يقول شيخ الإسلام العز بن عبدالسلام :تسقط الوسائل بسقوط المقاصد
No comments:
Post a Comment